عُبّاد الشتاء
من هم عبّادُ الشتاء؟
إنهم
عباد الله الأتقياء الذين يفرحون بقدوم الشتاء كما يفرحو ن بقدوم رمضان, لأنه
بالنسبة لهم فرصة يستثمرون ليله بالقيام
بسبب طوله, ونهاره بالصيام لقصره وبرودته .
قال ابن مسعود رضي الله عنه:" مرحباً
بالشتاء، تنزل فيه البركة، ويطول الليل للقيام، ويقصر النهار للصيام.
وحينما حضرت الوفاة معاذاً رضي الله عنه بكى،
وقال: إنما أبكي على ظمأ الهواجر، وقيام ليل الشتاء، ومزاحمة العلماء بالركب على
حِلَق الذِّكْر.
هنيئاً
لمن يقاوم ليالي الشتاء ويصبر على برودة الماء في آخر الليل فيترك فراشه, مستنهضا
بهمة راغبا في الجنة ذاكراً لله, فيتوضأ ويستقبل القبلة ناصباً قدميه متهجداً,
ليرى الله منه جلده على العبادة وصبره على مشاقها وتلذذه بمناجاته مع شدة بردها
فما أروعها من لحظات, قال تعالى: ﴿ كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا
يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ [الذاريات: 17، 18].
وفي الشتاء يسهل الصيام, فيومه قصير وحرارته
منخفضة, فلا يشعر الصائم بظمأ ولا يلحقه
تعب, جاء في الحديث: "الصيام في الشتاء الغنيمة الباردة" رواه
أحمد والترمذي والبيهقي والطبراني، وهو حسن.
تنبيه
في فصل الشتاء تكثر الأمراض بسبب شدة البرد
وجفاف الهواء, فلذلك يستحسن أن يستعد الإنسان لمقاومة البرد بالملابس الشتوية التي
تخفف برودة الجو, وخاصة وقاية الأطفال بالملابس المناسبة.
وهنا
تنبيه آخر, تذكّر أن هناك إخوة
لك يعانون من شدة البرد كباراً وصغاراً, ولا يجدون مايلتحفون به, فلا تنساهم أن
تمدهم بالعون والمساعدة بما فضل عنك من الملابس والأغطية لعل الله أن يرحمك بهم.
........................................................
فقه الشتاء
فمن سمات هذه
الشريعة الغراء: اليسر ودفع المشقة عن المكلفين، قال الله تعالى: ﴿ يُرِيدُ اللّهُ
بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ﴾ [البقرة: 185]، وقال: ﴿ وَمَا
جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ﴾ [الحج: 78].
وقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: (بُعثت بالحنيفية السمحة) رواه
أحمد والطبراني، وهو حسن.
وفي صحيح
البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (فإنما بعثتم ميسرين، ولم تبعثوا
معسرين).
ومن يسر
الإسلام أن رفع الحرج والمشقة عن المسلم, وحتى لا ينقطع المسلم عن العبادة وصلته بربه
بسبب اشتداد برودة الجو, فقد جعل لعبادته أحكاما تناسب حاله من غير مشقة.
واعلموا أن
أداء العبادة على المكاره فيها فضل عظيم, قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (ألا
أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات؟ قالوا: بلى، يا رسول الله،
قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطى إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد
الصلاة فذلكم الرباط)رواه مسلم.
وإذا كان أجر
الذاهبين للصّلوات في الظلمات كبيراً كما قال النبي صلى الله عليه و سلم: (بشر
المشّائين في الظُلَم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة) رواه أبو داود
والترمذي، وهو صحيح.
فكيف بمن
يمشي في الظلام والبرد معا, لا شك أن ذلك أعظم أجراً.
وهنا
بعض الأحكام الخاصة بالطهارة في حال البرد
أولاً: التيمم
في حال العجز عن استعمال الماء
سواء في الوضوء أو الغسل.
قال الله
تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ
فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا
بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا
فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ
مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً
فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ
مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ
لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾
[المائدة: 6].
ولكن لايكون
التيمم إلا في حال لا يجد مايسخن به الماء,
"فمن وجب عليه اغتسال طهارة كاغتسال من
جنابة أو انتهاء حيض : فلا يحل له التيمم مع وجود الماء وقدرته على استعماله ،
فإذا فُقد الماء فليتيمم كما هو نص القرآن ، وإذا وَجد الماء ولم يمكنه استعماله
لشدة البرد ، وخوفه على نفسه من الضرر أو الهلاك ، وليس عنده شيء يمكنه تسخينه به
: فقد أبيح له التيمم ، وقد جعلت الشريعة حالته هذه كحال من فقد الماء .
عن عمرو بن العاص قَالَ : " احْتَلَمْتُ
فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ فِي غَزْوَةِ " ذَاتِ السُّلَاسِلِ "
فَأَشْفَقْتُ إِنْ اغْتَسَلْتُ أَنْ أَهْلِكَ فَتَيَمَّمْتُ ثُمَّ صَلَّيْتُ
بِأَصْحَابِي الصُّبْحَ فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَقَالَ : ( يَا عَمْرُو صَلَّيْتَ بِأَصْحَابِكَ وَأَنْتَ جُنُبٌ )
فَأَخْبَرْتُهُ بِالَّذِي مَنَعَنِي مِنْ الِاغْتِسَالِ وَقُلْتُ إِنِّي سَمِعْتُ
اللَّهَ يَقُولُ : ( وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ
رَحِيمًا ) فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ
يَقُلْ شَيْئًا " رواه أبو داود ( 334 ) وصححه الألباني في " صحيح أبي
داود " .
وأما إذا وجد الماء وأمكنه استعماله بالتسخين
: فلا عذر له بالتيمم ، حتى لو خرج الوقت ، فليغتسل وليصل.
قال
ابن رسلان في " شرح السنن " : لا يتيمم لشدة البرد مَن أمكنه أن يسخن
الماء أو يستعمله على درجة يأمن الضرر ، مثل أن يغسل عضواً ويستره ، وكلما غسل
عضواً ستره ودفَّاه مِن البرد : لزمه ذلك ، وإن لم يقدر : تيمم وصلَّى في قول أكثر
العلماء " انتهى من " عون المعبود " ( 1 / 365 ) .
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله
- : " فأقره النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على ذلك ولم يأمره بالإعادة
؛ لأن مَن خاف الضرر كمن فيه الضرر ، لكن بشرط أن يكون الخوف غالباً أو قاطعاً ،
أما مجرد الوهم فهذا ليس بشيء " انتهى من " مجموع فتاوى الشيخ العثيمين
" ( 12 / 402 ) ." .
(سؤال وجواب).
صفة التيمم
التيمم طهارة
حكمية تعبدية ليس الغرض منها تغبير الوجه والكفين، بل المقصود امتثال أمر الله في
هذا التيسير والتخفيف؛ ولذلك لم تكن لكل الجسم مكان الغسل، ولا لكل الأعضاء مكان
الوضوء، بل هي ضربة واحدة على الصعيد الطيب ومسح للوجه والكفين مرة واحدة، كما جاء
في الآية السابقة و في الأحاديث النبوية الشريفة أيضاً.
ثانياً:
المسح على الخفين
عباد الله،
ومن تيسير الله تعالى لدفع مشقة البرد في التطهر: جواز المسح على ما يغطي القدمين
من خفاف وجوارب وما يقوم مقامهما كالشرابات بدلاً عن غسل القدمين في الوضوء، وهذا
التخفيف عن الأمة ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله ومن فعله، قال الحسن
البصري رحمه الله: " حدثني سبعون من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول
صلى الله عليه وسلم كان يمسح على الخفين".
وحدث إبراهيم
النخعي عن همام بن الحارث قال: رأيت جرير بن عبد الله بال ثم توضأ ومسح على خفيه،
ثم قام فصلى، فسُئل؟ فقال: رأيت النبي صلى الله عليه و سلم صنع مثل هذا، فقال
إبراهيم: فكان يعجبهم حديث جرير؛ لأن جريراً كان من آخر من أسلم. متفق عليه.
مدة المسح
يوم وليلة
للمقيم, وثلاثة أيام بلياليهن للمسافر.
ويجوز المسح سواء على خف أو شراب بشروط وهي:
أولاً: لبسهما
على طهارة.
ثانياً: أن
يكونا ساترين للجزء الواجب غسلهما
ثالثاً: أن
يكونا طاهرين غير نجسين, بمعنى لا يكون من جلد كلب أو نحوه.
أن يكون
المسح من الحدث الأصغر, لا من الأكبر, فإذا حصل الحدث الأكبر فلا بد من نزعهما حتى
يصيب الماء القدمين .
......................................
حكم
التخلف عن صلاة الجماعة بسبب البرد.(موقع سؤال وجواب)
ما حكم من يعيش في بلدة باردة جداً ويخشى على
نفسه المرض إذا خرج لصلاة الفجر فصلى في البيت ، هل صلاته صحيحة ؟
الجواب
الحمد لله.
صلاة الجماعة واجبة في المسجد على الرجال
القادرين ؛ للأدلة الكثيرة الدالة على ذلك ، وقد ذكرنا بعضها في جواب السؤال : رقم
(120) ، ورقم (8918) .
وقد دلت السنة على أنه لا حرج على من صلى في
بيته وترك الجماعة في المسجد إذا كان ذلك بعذر .
روى ابن ماجة (793) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي
الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
( مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ فَلَمْ يَأْتِهِ
فَلَا صَلَاةَ لَهُ إِلَّا مِنْ عُذْرٍ ) وصححه الألباني في "الإرواء"
(2/337) .
والبرد إذا كان لا يمكن اتقاؤه بكثرة الملابس
أو المدافئ أو الذهاب إلى المسجد في السيارة .. ونحو ذلك وخشي الرجل إن خرج إلى
الصلاة أن يصاب بمرض ، فهو عذر لترك الجماعة في المسجد ، أما إذا كان يمكن اتقاؤه
ولا يخشى حصول مرض ، فليس بعذر .
وقد روى البخاري (632) ومسلم (697) عن نَافِع
قَالَ : ( أَذَّنَ ابْنُ عُمَرَ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ بِضَجْنَانَ - جبل بين مكة
والمدينة - ثُمَّ قَالَ : صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ . فَأَخْبَرَنَا أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْمُرُ مُؤَذِّنًا يُؤَذِّنُ
ثُمَّ يَقُولُ عَلَى إِثْرِهِ : أَلَا صَلُّوا فِي الرِّحَالِ فِي اللَّيْلَةِ
الْبَارِدَةِ أَوْ الْمَطِيرَةِ فِي السَّفَرِ ) .
قال الحافظ رحمه الله :
" وَفِي صَحِيح أَبِي عَوَانَةَ : (
لَيْلَةٌ بَارِدَةٌ أَوْ ذَاتُ مَطَرٍ أَوْ ذَاتُ رِيحٍ ) وَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى
أَنَّ كُلًّا مِنْ الثَّلَاثَة عُذْرٌ فِي التَّأَخُّر عَنْ الْجَمَاعَة ,
وَنَقَلَ اِبْن بَطَّالٍ فِيهِ الْإِجْمَاع , لَكِنَّ الْمَعْرُوفَ عِنْدَ
الشَّافِعِيَّة أَنَّ الرِّيح عُذْرٌ فِي اللَّيْل فَقَطْ , وَظَاهِر الْحَدِيث
اِخْتِصَاص الثَّلَاثَة بِاللَّيْلِ , لَكِنْ فِي السُّنَن مِنْ طَرِيق اِبْن
إِسْحَاقَ عَنْ نَافِع فِي هَذَا الْحَدِيث : ( فِي اللَّيْلَة الْمَطِيرَة
وَالْغَدَاة الْقَرَّة[الباردة] ) , وَفِيهَا بِإِسْنَادٍ صَحِيح مِنْ حَدِيث
أَبِي الْمَلِيحِ عَنْ أَبِيهِ : ( أَنَّهُمْ مُطِرُوا يَوْمًا فَرَخَّصَ لَهُمْ )
وَلَمْ أَرَ فِي شَيْء مِنْ الْأَحَادِيث التَّرَخُّص بِعُذْرِ الرِّيح فِي
النَّهَار صَرِيحًا , لَكِنَّ الْقِيَاس يَقْتَضِي إِلْحَاقَهُ .
قَوْله : (فِي السَّفَر) ظَاهِره اِخْتِصَاص
ذَلِكَ بِالسَّفَرِ , وَرِوَايَة مَالِك عَنْ نَافِع الْآتِيَة فِي أَبْوَاب صَلَاة
الْجَمَاعَة مُطْلَقَةٌ , وَبِهَا أَخَذَ الْجُمْهُور , لَكِنَّ قَاعِدَةَ حَمْلِ
الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ تَقْتَضِي أَنْ يَخْتَصَّ ذَلِكَ بِالْمُسَافِرِ
مُطْلَقًا , وَيُلْحَق بِهِ مَنْ تَلْحَقُهُ بِذَلِكَ مَشَقَّة فِي الْحَضَر دُونَ
مَنْ لَا تَلْحَقهُ ، وَاَللَّه أَعْلَم " انتهى .
وقال أبو إسحاق الشيرازي في
"المهذب" (1/176) :
" وتسقط الجماعة بالعذر وهو أشياء ...
ومنها : أن يخاف ضررا في نفسه أو ماله أو مرضا يشق معه القصد " انتهى .
وقال النووي في "المجموع" (4/99)
وهو يتكلم عن الأعذار المبيحة لترك الجماعة :
" الْبَرْدُ الشَّدِيدُ عُذْرٌ فِي
اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ , وَشِدَّةُ الْحَرِّ عُذْرٌ فِي الظُّهْرِ , وَالثَّلْجُ
عُذْرٌ إنْ بَلَّ الثَّوْبَ "
انتهى .
منقول من موقع (سؤال وجواب) https://islamqa.info/ar/answers/127876/
كتبها : يحيى الشيخي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق