لما أخفق المشركون في
مكيدتهم , وفشلوا في استرداد المهاجرين استشاطوا غضبا وكانوا يتميزون غيظا, فاشتد
ضراوتهم, وانقضوا على بقية المسلمين, ومدوا أيديهم إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم بالسوء. وظهرت منهم تصرفات تدل على أنهم أرادوا القضاء على رسول الله صلى
الله عليه وسلم, ليستأصلوا جذور الفتنة التي أقضت مضاجعهم, حسب زعمهم.
أما بالنسبة للمسلمين
فإن الباقين منهم في مكة كانوا قليلين جدا وكانوا إما ذوي شرف ومنعة, أو
محتمين بجوار أحد, ومع ذلك كانوا يخفون إسلامهم, ويبتعدون عن أعين الطغاة بقدر
الإمكان, ولكنهم مع هذه الحيطة والحذر لم يسلموا كل السلامة من الأذى والخسف والجور
واما رسول الله صلى
الله عليه وسلم فقد كان يصلي ويعبد الله أمام أعين الطغاة, ويدعو إلى الله سرا
وجهرا لا يمنعه عن ذلك مانع , ولا يصرفه عنه شيء إذ كان ذلك من جملة تبليغ رسالة
الله منذ أمره الله سبحانه وتعالى بقوله(فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين) وبذلك
كان يمكن للمشركين أن يتعرضوا له إذا أرادوا, ولم يكن في الظاهر ما يجول بينهم
وبين ما يريدون إلا ما كان له صلى الله عليه وسلم من الحشمة والوقار , وما كان
لأبي طالب من الذمة والاحترام, وما كانوا يخافونه من مغبة سوء تصرفاتهم, ومن
اجتماع بني هاشم عليهم, إلا كل ذلك لم يعد له إثره المطلوب في نفوسهم, إذ بدءوا
يستخفون به منذ شعروا بانهيار كيانهم الوثني وزعامتهم الدينية أمام دعوته صلى الله
عليه وسلم
ومما روت لنا كتب
السنة والسيرة من الأحداث التي تشهد القرائن بأنها وقعت في هذه الفترة أن عتبة بن
أبي لهب أتى يوما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أنا أكفر ب(والنجم إذا
هوى) وبالذي (دنا فتدلى) ثم تسلط عليه بالأذى, وشق قميصه, وتفل في وجهه, إلا أن
البصاق لم يقع عليه, وحينئذ دعى عليه صلى الله عليه وسلم وقال اللهم سلط عليه كلبا من كلابك. وقد استجيب دعاؤه صلى الله
عليه وسلم فقد خرج عتبة مرة في نفر من قريش, حتى نزلوا في مكان من الشام يقال له
الزرقاء, فطاف بهم الأسد تلك الليلة, فجعل
عتبة يقول: ياويل أخي, هو والله آكلي كما دعا محمد علي, قتلني وهو بمكة, وأنا
بالشام, فغدا عليه الأسد من بين القوم وأخذ برأسه فذبحه.
ومما يدل على أن طغاتهم كانوا يريدون قتله صلى الله عليه وسلم ما رواه ابن إسحاق
عن عبد الله ابن عمرو بن العاص قال : حضرتهم وقد اجتمعوا في الحجر، فذكروا رسول
الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا : ما رأينا مثل ما صبرنا عليه من أمر هذا الرجل، لقد
صبرنا منه على أمر عظيم، فبينا هم كذلك إذ طلع رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فأقبل يمشى حتى استلم الركن، ثم مر بهم طائفًا بالبيت فغمزوه ببعض القول، فعرفت
ذلك في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما مر بهم الثانية غمزوه بمثلها،
فعرفت ذلك في وجهه، ثم مر بهم الثالثة فغمزوه بمثلها . فوقف ثم قال : ( أتسمعون يا
معشر قريش، أما والذي نفسى بيده، لقد جئتكم بالذبح ) فأخذت القوم كلمته، حتى ما
منهم رجل إلا كأنما على رأسه طائر واقع، حتى إن أشدهم فيه ليرفؤه بأحسن ما يجد،
ويقول : انصرف يا أبا القاسم، فو الله ما كنت جهولًا .
فلما كان الغد اجتمعوا كذلك يذكرون أمره إذ طلع عليهم، فوثبوا إليه وثبة رجل واحد
وأحاطوا به، فلقد رأيت رجلًا منهم أخذ بمجمع ردائه، وقام أبو بكر دونه، وهو يبكى
ويقول : أتقتلون رجلًا أن يقول ربي الله ؟ ثم انصرفوا عنه، قال ابن عمرو : فإن ذلك
لأشد ما رأيت قريشًا نالوا منه قط . انتهي ملخصًا .
وفي رواية البخاري عن عروة بن الزبير قال : سألت ابن عمرو بن العاص : أخبرني بأشد
شيء صنعه المشركون بالنبي صلى الله عليه وسلم، قال : بينا النبي صلى الله عليه
وسلم يصلي في حجر الكعبة إذ أقبل عقبة بن أبي معيط، فوضع ثوبه في عنقه، فخنقه
خنقًا شديدًا؛ فأقبل أبو بكر حتى أخذ بمنكبيه، ودفعه عن النبي صلى الله عليه وسلم،
وقال : أتقتلون رجلًا أن يقول ربي الله ؟ .
وفي حديث أسماء : فأتى الصريخ إلى أبي بكر فقال : أدرك صاحبك، فخرج من عندنا وعليه
غدائر أربع، فخرج وهو يقول : أتقتلون رجلًا أن يقول ربي الله ؟ فلهوا عنه وأقبلوا
على أبي بكر، فرجع إلينا لا نمس شيئًا من غدائره إلا رجع
معنا
في هذا الفيدو وصف لهذه المواقف المثيرة

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق