الحمد لله وبعد
كم من الهموم
والمصائب والبلايا تعترينا وتقتحم منازلنا بلا إذن منا مسبق, وقد تطول بنا أياما
وليالي لا حصر لها, وربما يتجزع البعض ويفقد صوابه, فيتلفّظ لسانه بما يغضب الرب
عز وجل نسأل الله العافية, ناسيا أنما أصابه
ما هو إلا امتحان لإيمانه بالقضاء والقدر, وامتحان لصبره ويقينه بما عند الله من
الثواب الجزيل لمن آمن وصبر على البلاء, فالقضاء والقدر هو الركن السادس من أركان
الإيمان وكل يبتلى على قدر إيمانه , قال تعالى ( أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا
أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ )(2) العنكبوت
«عن
أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاءت مشركو قريش إلى النبي ﷺ يخاصمونه في القدر فنزلت
هذه الآية: ﴿إن المجرمين في ضلال وسعر﴾ إلى قوله: ﴿إنا كل شيء خلقناه بقدر﴾ أخرجه مسلم (2656)
ومعلوم أن البلايا
والمصائب والمحن تزيد من هم الإنسان وجزعه ظناً منه أنها شر أريد به, ولكنه لا يدري
لعلها وإن كانت في ظاهرها شر إلا أن في
ثنا ياها من الخير العظيم الذي لا يعلمه إلا الله, قال تعالى : ( وعسى أن تكرهوا شيئا وهو
خير لكم ) وهذه الآية نزلت في شأن القتال الذي
تكرهه النفوس لما فيه من إزهاق الأرواح وقطع الأطراف والمشقة في مفارقة الأهل
والوطن, ولكن رغم مافيه من المكاره إلا إنه يعقب ذلك خيرعظيم إما بالشهادة والأجر العظيم في الآخرة وإما بخير
الدنيا من النصر والتمكين والعزة وجلب الغنائم وغيرها من الخيرالذي تحبه النفوس
وتتمناه, ومع ذلك إلا أن هذه الآية عامة في كل ما يصيب الإنسان من المصائب في سائر
أحواله.
قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم" ما يُصِيبُ المُسْلِمَ، مِن نَصَبٍ
ولَا وصَبٍ، ولَا هَمٍّ ولَا حُزْنٍ ولَا أذًى ولَا غَمٍّ، حتَّى الشَّوْكَةِ
يُشَاكُهَا، إلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بهَا مِن خَطَايَاهُ." صحيح البخاري
ففي
قصة يوسف عليه السلام وما مر به من البلاء من تآمر اخوته عليه بإلقائه في الجب,
ومراودة امرأة العزيز له, وكيد النسوة اللاتي قطعن أيديهن ودخوله السجن كل هذا
العذاب الذي عاش معاناته سنين طويلة, ماذا أعقبه؟ أليس بعد ذلك أصبح وزيرا لمصر, فجمع
الله شمله بوالديه وإخوته وجاء بهم من البدومن بعد أن نزغ الشيطان بينه وبين إخوته
وعاشوا بعد الفقر في غنى وبعد الضعف في قوة فياله من خير عظيم ( وعسى أن تكرهوا
شيئا وهو خير لكم )
وكم
من المواقف المؤلمة التي حدثت لرسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته, حتى إذا
ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه,
وبعدها جاء الفرج والمخرج الذي خلفه الخير, وفي قصة أم سلمة وما حل بها
من فقد أعز الناس إليها (أبو سلمة), الذي لم تتوقع يوما من الأيام أن يعقب أبا سلمة رجل أحب إليها وأعظم من أبي سلمة, إنه رسول الله
صلى الله عليه وسلم, لتصبح له زوجة وأما للمؤمنين يالها من كرامة أكرمها الله بها
وشرف وأي شرف أفضل من أن تنضم ضمن يانساء
النبي لستنّ كأحد من النساء, فأي خير أعظم من هذا؟ (وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير
لكم) , ويُحبس رسول الله صلى الله عليه وسلم والجيش من أجل عقد لعائشة ضاع منها ولم يكونوا على ماء أو معهم ماء,
فيعاتبُ الصحابةُ أبا بكر على فعل ابنته, فيأ تي أبو بكر إلى عائشة يعاتبها ويطعنها
في خاصرتها بسبب حبسها رسول الله صلى الله عليه وسلم والجيش بلا ماء فنزلت آية
التيمم ففرج الله همهم "قالَ أُسَيْدُ بنُ حُضَيْرٍ: ما هي بأَوَّلِ بَرَكَتِكُمْ يا آلَ
أبِي بَكْرٍ، قالَتْ: فَبَعَثْنَا البَعِيرَ الذي كُنْتُ عليه فَإِذَا العِقْدُ
تَحْتَهُ". وغيرها كثير, (وعسى
أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم)
رب أمر تتقيه ... جر أمراً ترتضيه
خفى المحبوب منه ... وبدا المكروه فيه
إذن مهما كثرعليك
ماتكره في هذه الحياة من البلايا والمصائب فما عليك إلا أن تحمد الله على كل حال
والصبر على ما أصابك وكن على يقين بأن مايعقب هذا البلاء خيرلايعلمه إلا الله إما عاجلاً أو آجلا " وعسى أن
تكرهوا شيئًا وهو خيرٌ لكم وعسى أن تحبوا شيئًا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا
تعلمون "(4) البقرة
أسأل الله أن يجعلني
وإياكم من عباده المؤمنين, والحمد الله رب العالمين.
كتبها/ يحيى بن
إبراهيم الشيخي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق