قال تعالى: ۞ فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ
فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُم بِمَا كَسَبُوا ۚ أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُوا
مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ ۖ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا (88)النساء
القول في تأويل قوله : فَمَا لَكُمْ
فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله :
" فما لكم في المنافقين فئتين "، فما شأنكم، أيها المؤمنون، في أهل
النفاق فئتين مختلفتين (8) =" والله أركسَهم بما كسبوا "، يعني بذلك:
والله رَدّهم إلى أحكام أهل الشرك، في إباحة دمائهم وسَبْي ذراريهم.
* * *
و " الإركاس "، الردُّ، ومنه
قول أمية بن أبي الصلت:
فَأُرْكِسُـوا فِـي حَـمِيمِ
النَّـارِ, إِنَّهُـمُ
كَـانُوا عُصَـاةً وَقَـالُوا الإفْكَ
وَالزُّورَا
يقال منه: " أرْكَسهم " و
" رَكَسَهم ".
* * *
وقد ذكر أنها في قراءة عبد الله وأبي:
( وَاللَّهُ رَكَسَهُمْ )، بغير " ألف ".
وقد نقل أبوجعفر الطبري رحمه الله في تفسيره لهذه الآية عدة روايات يطول ذكرها ولكن ننقل هنا
مارجحه رحمه أنه أولى الأقوال بالصواب
فقال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال
بالصواب في ذلك، قول من قال: نـزلت هذه الآية في اختلاف أصحاب رسول الله صلى الله
عليه وسلم في قوم كانوا ارتدُّوا عن الإسلام بعد إسلامهم من أهل مكة.
وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب، لأنّ
اختلاف أهل التأويل في ذلك إنما هو على قولين: أحدهما: أنهم قوم كانوا من أهل مكة،
على ما قد ذكرنا الرواية عنهم.
والآخر: أنهم قوم كانوا من أهل
المدينة.
= وفي قول الله تعالى ذكره: فَلا
تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا ، أوضح الدّليل على أنهم
كانوا من غير أهل المدينة. لأنّ الهجرة كانت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
إلى داره ومدينته من سائر أرض الكفر. فأما من كان بالمدينة في دار الهجرة مقيمًا
من المنافقين وأهل الشرك، فلم يكن عليه فرضُ هجرة، لأنه في دار الهجرة كان وطنُه
ومُقامه.
* * *
القول في تأويل قوله عز وجل :
وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في
تأويل قوله: " والله أركسهم ".
فقال بعضهم: معناه: ردَّهم، كما قلنا.
*ذكر من قال ذلك:
10061- حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج،
عن ابن جريج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس: " والله أركسهم بما كسبوا
"، ردَّهم.".
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: والله أوْقَعهم.
*ذكر من قال ذلك:
10062- حدثني المثنى قال، حدثني عبد
الله قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: " والله أركسهم
بما كسبوا "، يقول: أوقعهم.
وقال آخرون: معنى ذلك: أضلهم وأهلكهم.
*ذكر من قال ذلك:
10063- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين
قال، حدثنا أبو سفيان، عن معمر، عن قتادة: " والله أركسهم "، قال:
أهلكهم.
تفسير أبو جفر الطبري مختصرا
نقلت زبدة الكلام ومن أراد المزيد فليرجع إلى الأصل.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق