يحيى الشيخي {مدونة} دينية وتربوية وثقافية واجتماعية

أحدث المواضيع

اعلان2

Your Ad Spot

4.7.24

سبب نزول قوله تعالى:(قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ)

 




  قال تعالى:(قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ) [سورة المجادلة 1]

هذه الآية نزلت في شأن زوجين, أحدهما يشتكي الآخر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

الزوج: أوس بن الصامت.

الزوجة: خولة بنت ثعلبة.

جاءت الزوجة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, تشتكي إليه معاناتها من زوجها, وأخذت تكلم الرسول -صلى الله عليه وسلم -بصوت منخفض في زاوية من البيت, فيا ترى هل كان بيت عائشة كبير, من عدة حجر كزماننا اليوم, أم هو مكون من طابقين حتى تتحدث بحرية في إحدى زواياه, كلا والله بيت صغير مكون من حجرة ضيقة, ومع ذلك تكاد عائشة لاتسمع كلام خولة إلا بعض الكلمات القليلة الغير واضحة, ولكنّ الله سمع كل كلامها ولم يخفَ عليه شيء سبحانه وتعالى.

فما قصة هذه الشكوى التي اشتكت خولة زوجها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, وماهو الحل الذي عرضه رسول الله على خولة, وكيف كان تجاوب خولة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

وهنا تروي خولة قصتها قائلة: “كنت عنده أي زوجته وكان شيخا كبيرا قد ساء خلقه وضجر . فدخل علي يوما فراجعته بشيء أي ناقشته فيه فغضب وقال: “أنت علي كظهر أمي”، ثم خرج فجلس في نادي قومه ساعة ثم دخل عليّ فإذا هو يريدني، فقلت: كلا والذي نفسي بيده وقد قلت ما قلت حتى يحكم الله ورسوله فينا . فواثبني فامتنعت منه، فغلبته بما تغلب به المرأة الشيخ الضعيف فألقيته عني ثم خرجت حتى جئت رسول الله ﷺ فجلست بين يديه فذكرت له ما لقيت منه . فجعلت أشكو إليه ما ألقى من سوء خلقه”.

 

تقول عائشةَ: "تبارَكَ الَّذي وسِعَ سمعُهُ كلَّ شيءٍ ، إنِّي لأسمعُ كلامَ خَولةَ بنتِ ثَعلبةَ ويخفَى علَيَّ بعضُهُ ، وَهيَ تشتَكي زَوجَها إلى رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ وَهيَ تقولُ : يا رسولَ اللَّهِ ، أَكَلَ شَبابي ، ونثرتُ لَهُ بَطني ، حتَّى إذا كبُرَتْ سِنِّي ، وانقطعَ ولَدي ، ظاهرَ منِّي ، اللَّهمَّ إنِّي أشكو إليكَ ، فما برِحَتْ حتَّى نزلَ جِبرائيلُ بِهَؤلاءِ الآياتِ : قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ" صحيح ابن ماجه

كان العربُ قبلَ الإسلامِ يَعُدُّونَ الظِّهارَ طلاقًا؛ كأنْ يقولَ أحدُهم لزَوجتِه: أنتِ عليَّ كظَهْرِ أُمِّي، فتحرُمُ عليه، حتَّى أتى الإسلامُ وشرَعَ لهم الطَّلاقَ، وجُعِلَت الكفَّارةُ للظِّهارِ إذا ما وقَعَ من أحدِهم.

وفي هذا الحديثِ تقولُ أُمُّ المُؤمنينَ عائشةُ رضِيَ اللهُ عنها: "تبارَكَ"، أي: زادَتْ بركةُ اللهِ وكثُرَ خيرُه، "الَّذي وسِعَ سمْعُه كلَّ شَيءٍ"، أي: يُدرِكُ كلَّ صوتٍ، وأحاط سمْعُه بالأصواتِ كلِّها؛ فلا يَخْفى عليه شَيءٌ منها في الأرضِ ولا في السَّماءِ، جهَرَ به المُتكلِّمُ أو أسَرَّ، "إنِّي لأسمَعُ كلامَ خَولةَ بنتِ ثَعلبةَ ويَخْفى عليَّ بعضُه"، أي: أسمَعُ بعضَه، ولا أسمَعُ البعضَ الآخرَ، مع أنِّي في ناحيةِ البيتِ، "وهي تَشْتكي زوجَها" أوسَ بنَ الصَّامتِ، "إلى رَسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وهي تقولُ: يا رسولَ اللهِ، أكَلَ شَبابي"، أي: عِشْتُ معه مُدَّةَ شبابي، "ونثَرْتُ له بَطْني"، أي: أكثَرْتُ له الأولادَ. "حتَّى إذا كبِرَت سِنِّي، وانقطَعَ وَلَدي"، أي: أصبَحَتْ لا تَحمِلُ لكبَرِ سِنِّها، "ظاهَرَ مِنِّي"، والظِّهارُ هو: تَحريمُ الزَّوجِ مُعاشرةَ زَوجتِه على نفْسِه، كأنَّها ظهْرُ أُمِّه الَّذي يحرُمُ عليه الاقترابُ منه، فقالتِ المرأةُ: "اللَّهُمَّ إنِّي أشكو إليكَ"، أي: أوكَلَتْ شَكواها إلى اللهِ عَزَّ وجَلَّ، "فما برِحَتْ"، أي: انتهَتْ مِن شَكواها، "حتَّى نزَلَ"، أي: على النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، "جِبرائيلُ بهؤلاء الآياتِ: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ} [المجادلة: 1].

وهنا يعرض لها الرسول عدة خيارات لحل هذه المشكلة كما ذكر الله في كتابه

فخولة رضي الله عنها التي أغضبها زوجها بكلمات “الظهار” والتي ذهبت لتشكو سلوكه القاسي وتجادل رسول الله وتناقشه بل وتشتكي أمرها إلى خالقها أبدت مشاعر العطف والرحمة بزوجها عندما طلب منها النبي أن تخبر زوجها بحدود رب العالمين وتطلب منه أن يعتق رقبة .

 

قالت: يا رسول الله ما عنده ما يعتق به رقبة فهو رجل فقير .

 

قال رسول الله ﷺ: “فليصم شهرين متتابعين” .

 

قالت: يا رسول الله: إنه شيخ كبير لا طاقة له على الصوم .

 

قال رسول الله ﷺ: “فليطعم ستين مسكيناً” .

 

قالت: يا رسول الله ما ذاك عنده .

 

قال رسول الله ﷺ: “إنا سنعينك بعزق من تمر” .

 

قالت: يا رسول الله وأنا سأعينه بعزق آخر .

 

قال ﷺ: “قد أصبت وأحسنت فاذهبي فتصدقي به عنه . ثم استوصي بابن عمك خيراً” .

قالت: قد فعلت .

وفي هذا الحديثِ: إثباتُ صِفَةِ السَّمعِ للهِ عَزَّ وجَلَّ على ما يليقُ بجَلالِه وكمالِه، دونَ تَشبيهٍ أو تَعطيلٍ أو تكييفٍ.

وهذا من أبلغ الأدلة على اتصاف الله تعالى بالسمع، وهو أمر معلوم بالضرورة من الدين، لا ينكره إلا من ضل عن الهدى. وقول عائشة هذا يدل على أن الصحابة رضي الله عنهم، آمنوا بالنصوص على ظاهرها الذي يتبادر إلى الفهم، وأن هذا هو الذي أراده الله منهم ومن غيرهم من المكلفين ورسوله؛ إذ لو كان هذا الذي آمنوا به واعتقدوه خطأ لم يُقَرُّوا عليه ولبُيِّن لهم الصواب، ولم يأت عن أحد منهم تأويل هذه النصوص عن ظواهرها، لا من طريق صحيح ولا ضعيف، مع توافر الدواعي على نقل ذلك, والله الموفق.

كتبها/ يحيى الشيخي

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مساحة11

Your Ad Spot

قائمة 2