يحيى الشيخي {مدونة} دينية وتربوية وثقافية واجتماعية

أحدث المواضيع

اعلان2

Your Ad Spot

11.8.25

خلاف العلماء في أقسام المياه مع أدلتهم والراجح منها

 



خلاف العلماء في أقسام المياه مع أدلتهم والراجح منها

للعلماء في تقسيم المياه قولان:

القول الأوّل: أنَّ الماءَ ثلاثةُ أقسامٍ: طَهورٌ ، وطاهِرٌ، ونَجِسٌ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ([1]).

أدلتهم:

أولاً: من الكتاب

 قوله تعالى: (وَإِنْ كُنتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً)([2]) .

قوله(ماء) اسم ماء من غير قيد؛ أي ما صح إطلاق لفظ الماء عليه من غير ذكر قيد؛ بأن يقال فيه: هذا ماء. فخرج ما لم يصدق عليه اسم الماء أصلاً من المائعات؛ كالخل والسمن. وما لا يصدق عليه اسمه إلا بالقيد كماء الورد وماء الزهر وماء البطيخ ونحوها. فهذه الأشياء ليست من الماء المطلق، فلا يصح التطهير بها، بخلاف ماء البحر والمطر والآبار، فإنه يصح إطلاق الماء عليها من غير قيد فيصح التطهير بها([3]).

ثانيًا: مِن السُّنَّةِ

أولاً: عن أبي هُريرةَ رَضِيَ اللهُ عنه: ((أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم سُئِلَ عن ماءِ البَحرِ، فقال: هو الطَّهورُ ماؤُه الحلُّ ميتتُه ([4]) )).

قالوا: لأن سؤال الصحابي رضي الله عنه لم يكن عن طهارة ماء البحر فإن طهارته كانت مقررة معلومة وإنما كان سؤاله عن طهوريته أي: عن جواز الوضوء والغسل به ورفع الحدث وهذا دليل على أنه كان قائماً في ذهن هذا الصحابي أن هناك ماء طاهراً لا يرفع به الحدث وهو ما اصطلح الفقهاء بعد على تسميته بالطاهر([5]).

ثانيًا: أحاديثُ النَّهيِ عن الاغتسالِ في الماءِ الرَّاكدِ مثل حديث" أبي هُريرةَ رَضِيَ اللهُ عنه في الصَّحيحين مرفوعًا: ((لا يَبولنَّ أحدُكم في الماءِ الدَّائِمِ الذي لا يَجري، ثُمَّ يَغتسِل فيهـ))([6]). والنَّهيِ عن غمْسِ اليَدِ في الإناءِ قبل غَسلِها لِمَن قام مِنَ النَّومِ فعن أبي هريرة رَضِيَ اللهُ عنه، عن النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إذا استيقظ أحدُكم مِن نومِه فلْيغسِلْ يدَه قبل أن يُدخِلَها في وَضوئِه؛ فإنَّ أحدَكم لا يدري أين باتَتْ يدُهـ))([7]).

وقالوا: هذه المياه مع أنها طاهرة ليست بنجسة ورد النهي عن الاغتسال ببعضها كما في حالة :

فضل وضوء المرأة وورد النهي عن غمس اليد أو النهي عن البول في الماء الراكد والنهي يقتضي الفساد عند بعض الأصوليين.

ولذلك قال الظاهرية: إن هذا الماء الراكد الذي بال فيه البائل أو هذا الماء الذي غمست فيه يد قائم من نوم ليل لا يجوز الوضوء به ولا يرفع الحدث لأنه ماء فاسد لا يصلح للطهورية([8]).

القول الثاني: أنَّ الماء قسمانِ فقط: طَهورٌ ونجِسٌ، وهو محكيٌّ عن بعضِ الحنفيَّة([9]) ، وهو اختيارُ ابنِ تيميَّة ، وابنِ باز ، وابنِ عُثيمين([10]).

أوَّلًا: من الكتاب:

قوله تعالى: (وَإِنْ كُنتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً)([11]) .

قالوا: كلمة (ماء) وَهَذَا عَامٌّ فِي كُلِّ مَاءٍ؛ لِأَنَّهُ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ، وَالنَّكِرَةُ فِي سِيَاقِ النَّفْي تَعُمُّ، فَلَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ مَعَ وُجُودِهِ([12]).

ثانياً: من السنة:

1-عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنتوضأ من بئر بضاعة وهي بئر يطرح فيها الحيض ولحم الكلاب والنتن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الماء طهور لا ينجسه شيء)([13]).

قالوا: هذا الحديث أثبت قسماً من الماء وهو الماء الطهور والإجماع أثبت القسم الآخر وهو الماء النجس وبقي الماء الطاهر ولا يوجد دليل على ثبوته فيكون الماء قسمين: طهور ونجس ولا ثالث لهما.

وقالوا أيضاً: هذا الحديث أثبت طهورية الماء وأنه لا ينجسه شئ ولا ينتقل عن هذه الطهورية إلا إلى النجاسة فيكون الماء بذلك إما طهور وإما نجس.

2-عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إنا نركب البحر ونحمل معنا القليل من الماء فإن توضأنا به عطشنا أفنتوضأ من ماء البحر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هو الطهور ماؤه الحل ميتته)([14])

3-عن أبي سعيدٍ الخُدريِّ رَضِيَ اللهُ عنه، عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال: ((إنَّ الماءَ طَهورٌ لا يُنجِّسُه شيءٌ  )).([15])

قالوا: ماء البحر متغير بالملوحة الزائدة وهذا الذي جعل الصحابي رضي الله عنه يسأل عن حكمه ومع تغيره فقد حكم له النبي صلى الله عليه وسلم بأنه طهور فدل على أن ما تغير بالطاهرات فهو طهور إلا لو غلبت أجزاء المادة الموضوعة فيه فهو حينئذ ينتقل عن مسمى الماء أصلاً أي: لو أضفت إلى الماء زعفران أو ماء ورد أو باقلاء أو غيرها من المواد إضافات كثيرة فصارت غالبة على الماء.

وقالوا: ولا فرق بين ما تغير بفعل الإنسان المقصود وما كان تغيره بطبيعته فلا فرق بين ماء البحر

عندهم وبين الماء الذي أضاف إليه الإنسان باختياره ملحاً حتى صار مالحاً.

وقالوا: من قال بالفرق بينهما فيلزمه الدليل ولا دليل هناك

4-عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (بينا رجل واقف مع النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة إذ وقع عن راحلته فوقصته أو قال: فأوقصته فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبين ولا تمسوه طيباً ولا تخمروا رأسه ولا تحنطوه فإن الله يبعثه يوم القيامة ملبياً)([16]).

5 -عن أم عطية الأنصارية رضي الله عنها قالت:"دخَلَ علينا رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حين تُوُفِّيَتِ ابنَتُه، فقال: اغسِلْنَها ثَلاثًا، أو خَمسًا، أو أكثَرَ مِن ذلك، إنْ رأيتُنَّ ذلك، بماءِ سِدْرٍ،واجعَلْنَ في الآخِرةِ كافورًا، أو شَيئًا مِن كافورٍ، فإذا فَرَغتُنَّ فآذِنَّني. قالت: فلمَّا فَرَغْنا آذَنَّاه، فأعطانا حِقْوَه، فقال: أشْعِرْنَها إيَّاه. تَعني بحِقْوِه: إزارَه"([17])

قالوا: والماء إذا أضيف إليه السدر أو الكافور فإنه يتغير به غالباً.

وإذا كان هذا المتغير بشئ طاهر يطهر الميت فطهارة الحي كطهارة الميت فما طهر الميت يُطهر الحي.

6 - عن أم هانئ رضي الله عنها: (أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ اغتسلَ هو وميمونةُ من إناءٍ واحدٍ في قَصْعَةٍ فيها أَثَرُ العجينِ)([18]).

وهذا فيه جواز الاغتسال بالماء الذي فيه أثر العجين، أو أثر شيء آخر من الأشياء الطاهرة، فإذا اختلط بالماء شيئاً من الطاهرات فلا بأس، كشيء من العجين أو شيء من الزعفران ما لم يسلب عنه اسم الماء ([19]).

7 - قالوا: إن الصحابة رضي الله عنهم وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يسافرون ويحملون الماء في أسقية كان غالبها من الأدم - من الجلود - ومن الطبيعي في مثل هذه الأسقية أنها تؤثر في لون الماء وفي طعمه وفي ريحه "وكذلك ما تغير في آنية الأدم والنحاس، لأن الصحابة كانوا يسافرون وغالب أسقيتهم الأدم وهي تغير أوصاف الماء عادة، ولم يكونوا يتيممون معها"([20]).

8 - قالوا: إن أمر الماء من الأشياء التي تكثر حاجة الناس إليها وسؤالهم عن أحكامها فحاجتهم إليها أشد من حاجتهم إلى بيان سائر الأحكام ويبعد جداً أن يوجد تقسيم شرعي للمياه ولا ينقل عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم القول به.

وقد رجح القول الأول وهو أن الماء ينقسم إلى قسمين طهور ونجس شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم والشوكاني ورجحه الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي والشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز والشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمهم الله جميعاً.

قال شيخ الإسلام رحمه الله: «إنّ الشّارع علق الطهارة بمسمى الماء في قوله تعالى: ﴿فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً﴾ ولم يفرق بين ماء وماء ولم يجعل الماء نوعين طاهرا وطهورا»([21]) أهـ.

وقال أيضاً: «فهذا التّقسيم مخالف للكتاب والسّنة، وإنما قال الله ﴿فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً﴾، وقد بسطنا هذا في غير هذا الموضع وبينا أن كل ما يقع عليه اسم ماء فهو طاهر طهور»([22]).

وقال الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز رحمه الله: (الصواب: أن الماء المطلق قسمان: طهور ونجس)([23]) أهـ.

قال ابن عثيمين رحمه الله:"والصَّحيح أن الماء قسمان فقط: طَهُور ونجس. فما تغيَّر بنجاسة فهو نجس، وما لم يتغيَّر بنجاسة فهو طَهُور، وأن الطَّاهر قسم لا وجود له في الشَّريعة، وهذا اختيار شيخ الإِسلام  والدَّليل على هذا عدم الدَّليل؛ إذ لو كان قسم الطَّاهر موجوداً في الشَّرع لكان أمراً معلوماً مفهوماً تأتي به الأحاديث بيِّنةً واضحةً؛ لأنه ليس بالأمر الهيِّن إذ يترتَّب عليه إِمَّا أن يتطهَّر بماء، أو يتيمَّم. فالنَّاس يحتاجون إِليه كحاجتهم إلى العِلْم بنواقض الوُضُوء وما أشبه ذلك من الأمور التي تتوافر الدَّواعي على نقلها لو كانت ثابتة"([24]).

والطَّهور: الماء الباقي على خلقته حقيقة، بحيث لم يتغيَّر شيء من أوصافه، أو حكماً بحيث تغيَّر بما لا يسلبُه الطَّهوريَّةَ([25]).

الماء الطاهر: عرفه ابن الجوزي  بقوله: (هو ما استعمل في رفع حدث أو خالطه طاهر فغير أحد أوصافه أو طبخ فيه)([26])

الماءُ النَّجِسُ: هو ما تغيَّر بنجاسةٍ، بحيث يتغيَّرُ بها طَعمُه، أو لَونُه، أو رِيحُه([27]).

كتبها: يحيى بن إبراهيم الشيخي.

*********

 

 

 

 



([1]) كشاف القناع للبهوتي/1/24, المجموع للنووي 1/80.

([2]) النساء :43.

([3]) كتاب حاشية الصاوي على الشرح الصغير/أحمد الصاوي:ج1/ص13.

([4]) صحيح الترمذي(69), و أخرجه أبو داود (83)، وابن ماجه (386)، وأحمد (8720) باختلاف يسير، والترمذي (69)، والنسائي (59) واللفظ لهما.

([5]) المجموع للنووي:ج1/ص85.

([6]) خرجه البخاري (239) واللفظ له، ومسلم (282).

([7]) رواه البخاري (162) واللفظ له، ومسلم (278).

([8]) فقه المياه وما يتعلق بها من أحكام:ج1/ص3.

([9]) الفتاوى الكبرى  لابن تيمية:ج5/ص297.

([10]) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (11/86), ((مجموع فتاوى ابن باز)) (10/14), مجموع الفتاوى لابن تيمية/ 19/236, الفتاوى الكبرى 5/297.

([11]) النساء :43.

([12]) المغني لابن قدامة:ج1/ص11.

([13]) صحيح أبي داود:66/ صححه الألباني,  والترمذي (66)، والنسائي (326)، وأحمد (11275).

([14]) حديث صحيح/ أخرجه أبو داود (83)، وابن ماجه (386)، وأحمد (8720) باختلاف يسير، والترمذي (69)، والنسائي (59) واللفظ لهما.

([15]) صحيح/ المصدر : خلاصة البدر المنير, و أخرجه أبو داود (66)، والترمذي (66)، والنسائي (326)، وأحمد (11275).

([16]) أخرجه البخاري (1265)، ومسلم (1206).

([17]) ([17]) أخرجه مالك (1/222) واللفظ له، وأخرجه البخاري (1253)، ومسلم (939) باختلاف يسير.

 

([18]) إسناده صحيح على شرط الشيخين/المصدر ارواء الغليل/1/64/ المحدث الألباني, و أخرجه النسائي (240)، وابن ماجة (378)، وأحمد (26895) واللفظ لهم.

([19]) كتاب شرح سنن النسائي – الراجحي:ج12/ص18.

([20]) كتاب منار السبيل في شرح الدليل/ابن ضويان:ج1/ص10.

([21]) مجموع الفتاوى:24/35.

([22]) مجموع الفتاوى:19/236.

([23]) مجموع فتاوى ابن باز:ج15/ص14.

([24]) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (1/54).

([25]) الشرح الممتع على زاد المستقنع - المجلد 1 - الصفحة 28.

([26]) " المذهب الأحمد في مذهب الإمام أحمد/4.

([27]) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (1/54).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مساحة11

Your Ad Spot

قائمة 2