
(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ۖ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) (1) التحريم
ذكر الطبري عدة روايات لسبب نزول هذه الآية , فاخترت لكم منها هذه الروايتين قال: حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور عن معمر، عن قتادة، أن النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم حرّمها يعني جاريته، فكانت يمينًا
حدثنا سعيد بن يحيى، قال: ثنا أبي، قال: ثنا محمد بن إسحاق، عن الزهري، عـن عبيد الله بـن عبد الله، عن ابن عباس، قال: " قلت لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: من المرأتان؟ قال: عائشة، وحفصة. وكان بدء الحديث في شأن أمِّ إبراهيم القبطية، أصابها النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم في بيت حفصة في يومها، فوجدته حفصة، فقالت: يا نبيّ الله لقد جئت إليّ شيئًا ما جئتَ إلى أحد من أزواجك بمثله في يومي وفي دوري، وعلى فراشى، قال: " ألا تَرْضينَ أَنْ أُحَرّمهَا فَلا أَقْرَبَهَا؟ " قالت: بلى، فحرّمها، وقال: " لا تَذْكُرِي ذَلِكَ لأحَدٍ"، فذكرته لعائشة، فأظهره الله عزّ وجلّ عليه، فأنـزل الله ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ ) ... الآيات كلها، فبلغنا أن نبيّ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم كفر يمينه، وأصاب جاريته ".
وقال آخرون: كان ذلك شرابًا يشربه، كان يعجبه ذلك.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا أَبو داود، قال: ثنا شعبة، عن قيس بن مسلم، عن عبد الله بن شدّاد بن الهاد، قال: نـزلت هذه الآية في شراب ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ ) .
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا أَبو قَطن البغدادي عمرو بن الهيثم، قال: ثنا شعبة، عن قيس بن مسلم، عن عبد الله بن شدّاد مثله.
قال: ثنا أَبو قطن، قال: ثنا يزيد بن إبراهيم، عن ابن أَبي مليكة، قال: نـزلت في شراب.
والصواب من القول في ذلك أن يقال: كان الذي حرّمه النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم على نفسه شيئًا كان الله قد أحله له، وجائز أن يكون ذلك كان جاريته، وجائز أن يكون كان شرابًا من الأشربة، وجائز أن يكون كان غير ذلك، غير أنه أيّ ذلك كان، فإنه كان تحريم شيء كان له حلالا فعاتبه الله على تحريمه على نفسه ما كان له قد أحله، وبين له تحلة يمينه في يمين كان حلف بها مع تحريمه ما حرّم على نفسه.
فإن قائل قائل: وما برهانك على أنه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم كان حلف مع تحريمه ما حرم، فقد علمت قول من قال: لم يكن من النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم في ذلك غير التحريم، وأن التحريم هو اليمين؟ قيل: البرهان على ذلك واضح، وهو أنه لا يعقل في لغة عربية ولا عجمية أن قول القائل لجاريته، أو لطعام أو شراب، هذا عليّ حرام يمين، فإذا كان ذلك غير معقول، فمعلوم أن اليمين غير قول القائل للشيء الحلال له: هو عليّ حرام. وإذا كان ذلك كذلك صحّ ما قلنا، وفسد ما خالفه. وبعد، فجائز أن يكون تحريم النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ما حرم على نفسه من الحلال الذي كان الله تعالى ذكره، أحله له بيمين، فيكون قوله: ( لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ ) معنا: لم تحلف على الشيء الذي قد أحله الله أن لا تقربه، فتحرّمه على نفسك باليمين.
وإنما قلنا: إن النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم حرم ذلك، وحلف مع تحريمه، كما حدثني الحسن بن قزعة، قال: ثنا مسلمة بن علقمة، عن داود بن أبي هند، عن الشعبيّ، عن مسروق، عن عائشة قالت: آلى رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم وحرم، فأُمِر في الإيلاء بكفارة، وقيل له في التحريم ( لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ) .
وقوله: ( وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) يقول تعالى ذكره: والله غفور يا محمد لذنوب التائبين من عباده من ذنوبهم، وقد غفر لك تحريمك على نفسك ما أحله الله لك، رحيم بعباده أن يعاقبهم على ما قد تابوا منه من الذنوب بعد التوبة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق