من يبحث عن النجاح, فلن يشعر بالسعادة حتى يتعرف على أول خطواته, وأول خطوة للنجاح هو التفاؤل, فمَن لم يكن متفائلًا، فلن يحقِّق أهدافه أبدًا مهما بَذَل مِن جهدٍ؛ لأنه محطَّم ومهزوم نفسيًّا، فلا يرى إلا الظلام، ونَظْرتُه للمستقبل نظرةٌ تشاؤمية، فلا يرى من الكأس إلا الجزءَ الفارغ منها.
وأجمل ما قيل فيه قولُ الحبيب صلى الله عليه وسلم: ((لا طِيَرَةَ، وخيرها الفأل))، قال: وما الفأل؟ قال: ((الكلمة الصالحة يسمعها أحدكم))، وفي رواية: ((ويعجبني الفألُ الصالح؛ الكلمة الحسنة)).
إذًا التفاؤل هو الخطوة الأولى من خطوات النجاح؛ حيث يبعث في القلب الأملَ، ويزرع في النفس الثقةَ، ويشدُّ حبال العزيمة، فتزداد نفسُه طمأنينةً وراحة؛ مما يزيد حيويَّتها ونشاطها، فتندفع لبذل أكبرِ طاقةٍ لديها.
وكان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم دائمًا يحبُّ التفاؤلَ، ومِن ذلك تفاؤله في الأسماء، كما ورد في سيرته: أنه لما وصل إلى مفترق طرق وهو متجهٌ إلى خيبر، فقال له الدليل: يا رسول الله، هذه طُرُق كثيرة كلُّها تؤدِّي إلى المقصد، فقال: ((سمِّها لي))، فذكر منها حاطبًا، وحزنًا، وغيرها، فَرَفَض أن يسلكها حتى قال: وهذا مرحب، فسَلَكَه صلى الله عليه وسلم.
وكذلك تفاؤله في صلح الحديبية باسم سُهيل بن عمرو لما رآه مقبلًا، وقد أرسلَتْه قريشٌ إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ممثِّلًا لها لأجل الصلح، قال الرسول صلى الله عليه وسلم عندما رأى سهيلًا: ((سهُل أمرُكم)).
هذا هو المتفائل دائمًا؛ ينظر إلى الأشياء نظرةً إيجابيةً فيختار أحسنَ ما فيها ويتفاءل به؛ لأنَّه دائمًا إيجابيٌّ في نظرته وتفكيره وتوقُّعاته، وحتى في خطابه مع الآخرين ونقدِه لهم، فكن أنت أخي الحبيب كذلك، ازرع وَرْدَ الأَمَل في طريق الناس، وانثُر على رؤوسهم الفلَّ والياسمين، وكن أنت مَن يُطفِئ نورَ التشاؤم، ويخمد دخانه مِن قلوب الناس، فلولا التفاؤلُ ما عاش الناس عيشة هنية، ولولاه لما تقدَّم المتقدِّمون ونجح الناجحون؛ لأنَّ التفاؤلَ هو أولُ طريق النجاح لمن يريده.
فكن متفائلًا في حياتك، وانظر إلى المستقبل نظرةً إيجابيَّةً؛ فلقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم - وهو رابطٌ على بطنه حَجَرًا مِن شدَّة الجوع، والصحابة في خوفٍ شديد - وهو يضرب الصخرةَ بمِعْوَله في الخندق، ويتطاير الشَّرَر مِن قوَّة الضربة، وينكسر ثلثها، فيقول: ((الله أكبر! أُعْطِيت مفاتيحَ الشام!))، ثم الثلث الثاني فيقول: ((أُعْطيت مفاتيحَ فارس!))، وفي الثالثة يكبِّر ويقول: ((أُعطيت مفاتيح اليمن!))، يبشِّرهم ويقول هذا متفائلًا؛ ليزرع الأملَ في قلوب الصحابة، وكل ذلك تحقَّق بفضل الله، علمًا أنَّه كان هناك فئةٌ من المنافقين تحاول تحطيمَ هذا الأملِ، وتحبط هذا التفاؤلَ في قلوب الصحابة، ولكنَّ الأملَ الذي زَرَعَه الرسول صلى الله عليه وسلم بتفاؤلِه في قلوب الصحابة أشدُّ صلابةً من أنْ يتحطَّم بين عشيَّةٍ وضحاها بمجرد كلمات تبثُّها أَلْسِنَةُ المنافقين في أسماعهم.
فَعِشْ حياتَك سعيدًا، وحوِّل الحزنَ إلى فرحٍ بأملٍ قادم، واجعل من الضيق دروسًا وعِبَرًا، ومن الغُربة خلوةً وذكرًا، ومِن الآلام صبرًا، ومن المصيبة شكرًا، وبدل أنْ تنتظرَ متى يزول الظلام أَوْقِد شمعةً واستمتع بليلك، وبشِّر الناسَ بالخير وابتسم لهم خير لك ولهم:
ف ![]() ![]() |
فاضحك ! فإن الشهب تضحك و الدجى
متلاطم ، و لذا نحب الأنجما !
قال : البشاشة ليس تسعد كائنا
يأتي إلى الدنيا و يذهب مرغما
قلت : ابتسم ! مادام بينك و الردى
شبر ، فإنك بعد لن تتبسما !
هكذا دائمًا اجعل نظرتَك للمستقبل نظرةً إيجابيَّةً يحفُّها الأمل لك وللأُمَّة جميعًا، والله الموفِّق والمسدِّد، وصلى الله على خير خَلْق الله صلى الله عليه وسلم.
كتبها : يحيى الشيخي


ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق