يحيى الشيخي {مدونة} دينية وتربوية وثقافية واجتماعية

أحدث المواضيع

اعلان2

Your Ad Spot

6.7.24

مرونة الروح… مفتاح السلام

 



في مسرح الحياة، لا تسير الأحداث دومًا وفق أهوائنا، بل كثيرًا ما تفاجئنا بتقلباتها، فتقلب الراحة إلى ضيق، والطمأنينة إلى اضطراب. وهنا، لا يكون النجاح في الصمود وحده، بل في المرونة التي تقي من الانكسار، وتمنحنا القدرة على التكيف، كما يتمايل الغصن الرقيق مع الريح دون أن ينكسر.

يحكي التاريخ عن طلحة بن عبدالرحمن بن عوف، الذي عُرف بجوده بين قريش، فقالت له زوجته يومًا: "ما رأيت قوماً أشدّ لؤماً من إخوانك، إذا اغتنيت لزموك، وإذا افتقرت تركوك!" فأجابها بحكمة: "هذا والله من كرم أخلاقهم! يأتوننا في حال قدرتنا على إكرامهم، ويتركوننا في حال العجز عنهم."
هكذا يرى النبيل في الناس خيرًا، حتى في مواقف قد يراها غيره جفاءً.

إن المرونة ليست ضعفًا، بل هي فنّ التعامل مع الحياة، وهي التي تقي من الندم، وتمنح السلامة من الألم. فحين تعاندك الحياة، لا تقابلها بالقسوة، بل بالصفح، والتسامح، واللين. قد يتخلى عنك أقرب الناس، وقد يهجرك الأصدقاء، فالتَمِس لهم الأعذار، وكن واسع الصدر، رقيق القلب، متفهمًا للظروف.

لا تتذمر من حرّ الأيام ولا من برد الليالي، ففي الحرّ ينضج الثمر، وفي البرد يطيب السمر. فساير تقلبات الحياة، وارتدِ لكل حالٍ لبوسها، إما نعيمها وإما بؤسها، تكن من السعداء.

ديننا الحنيف هو دين يُسر، لا يُكلف النفس فوق طاقتها، قال تعالى:
﴿وما جعل عليكم في الدين من حرج﴾
وقال النبي ﷺ:
"ما خُيّر بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً"
وفي الحديث الشريف:
"صلّ قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب"
وفي الأثر:
"هلك المتنطعون"

المرونة في الدين، كما في الحياة، هي سبيل النجاة، وهي التي تفتح أبواب الرحمة، وتغلق أبواب العنت والمشقة.

أما في العلاقات، فإن المرن هو الأنجح، والأكثر إنتاجية، والأقدر على حل المشكلات، لأنه لا يتوقف عند باب واحد، بل يملك مفاتيح متعددة، وبدائل كثيرة، تفتح له أبواب الفرج.

فكن ليّنًا، متواضعًا، سهلًا في تعاملك، فإن اللين يرفعك، ويحبّبك إلى القلوب، كما تطيب الأكحال وهي حجارة، لكنها لانَت، فصارت مقرًّا في الأعين.

كن ليّنًا بين الورى متواضعًا
ترفع وتُحمد في جميع الألسن
فانظر إلى الأكحال وهي حجارة
لانَت فصار مقرّها في الأعين

المرونة ليست مجرد سلوك، بل هي فلسفة حياة، وهي التي تجعلنا نعيش بسلام، وننجو من العواصف، ونحيا بقلوب مطمئنة، وعقول متزنة.

بقلم: يحيى الشيخي

***

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مساحة11

Your Ad Spot

قائمة 2