برُّ الوالدين من أعظم القربات إلى الله, قال الله تعالى (وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوٓاْ إِلَّآ إِيَّاهُ وَبِٱلْوَٰلِدَيْنِ إِحْسَٰنًا ۚ... ) [ الإسراء: 23]
وفي حديث ابن مسعود قال: قلت يا رسول الله، أي العمل أحب إلى الله تعالى؟ قال: الصلاة على وقتها ، قلت: ثم أي؟ قال: بر الوالدين قلت: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله" متفق عليه.
ومعلوم أن بر الوالدين فيه من الأجر العظيم لمن وفقه الله, لكن كيف لو كان الابن عاق أو مقصر في برّ والديه أو أحدهما في حال حياتهما, وبعد وفاتهما, ندم الابن أشد الندم, وتاب إلى الله, وأخذ يتحسّر على مافات ويبكي أشد البكاء, فهل بإمكانه أن يعوض ذلك التقصير الذي حصل منه لبر والديه في حال حياتهما, بعد موتهما أم أنه لامجال له وانتهت الفرصة؟
هذا السؤال قام به عنّا رجل جاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فسأله نفس السؤال, فماذا كان جواب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
عن مالك بن ربيعة الساعدي رضي الله عنه قال: بَيْنا نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ جاءه رجل من بني سلمةَ فقال: يا رسول الله، هل بقي مِن برِّ أبويَّ شيءٌ أبَرُّهما به بعد موتهما؟ فقال: ((نعم، الصلاةُ عليهما، والاستغفار لهما، وإنفاذُ عهدِهما من بعدهما، وصلةُ الرحم التي لا تُوصَلُ إلا بهما، وإكرامُ صديقِهما))؛ رواه أبو داود
خمسة أشياء من فعلها أوفعل بعضها صار بار بوالديه بعد وفاتهما وهذه الخمسة أولها: الصلاة عليهما: أي الدعاء، والمقصود بالصلاة عليهما يعني الدعاء، فإن الصلاة أصل معناها في كلام العرب: الدعاء، وقد جاء ذلك في القرآن بقوله -تبارك وتعالى: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ [التوبة: 103]، أي: ادع لهم، فكان الرجل يأتي للنبي ﷺ بصدقته، يعني: بزكاته فيدعو له، كما قال النبي ﷺ: اللهم صلّ على آل أبي أوفى" أخرجه البخاري(1497).
ويدخل في ذلك الصلاة عليهما, صلاة الجنازة فإنها دعاء، والصلاة عليهما: الترحم عليهما أحق الحق ومن أعظم البر في الحياة والموت.
فعلى كل ابن بار كان أو مقصر أن يكثر من الدعاء لوالديه في كل صلواته ويكثر من رب اغر لوالدي وارحمهما كما ربياني صغيرا.
وهكذا الاستغفار لهما وسؤال الله أن يغفر لهما سيئاتهما، هذا من أعظم برهما حيين وميتين.
وإنفاذ عهدهما من بعدهما الوصية التي يوصيان بها، والوصية قد تكون أداء حقوق مالية أو الوصية بشيء من الإرث لغير وارث وذلك يصح في حدود الثلث, أو أداء عبادة عنهما, كلها تدخل ضمن الوصية, فالواجب على الولد ذكر كان أو أنثى إنفاذها إذا كانت موافقة للشرع المطهر.
والخصلة الرابعة: إكرام صديقهما إذا كان لأبيك أو لأمك أصدقاء وأحباب وأقارب فتحسن إليهم، وتقدر لهم صحبة وصداقة والديك، ولا تنسَ ذلك بالكلام الطيب والإحسان إليهم إذا كانوا في حاجة إلى الإحسان، وجميع أنواع الخير الذي تستطيعه، فعن أبي بردة ، قال : "قدمت المدينة ، فأتاني عبد الله بن عمر ، فقال : أتدري لم أتيتك ؟ قال : قلت : لا ، قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : من أحب أن يصل أباه في قبره ، فليصل إخوان أبيه بعده " وإنه كان بين أبي عمر وبين أبيك إخاء وود ، فأحببت أن أصل ذاك" رواه ابن حبان في صحيحه وأبو يعلى في مسنده.
عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما: "أَن النَّبيَّ ﷺ قَالَ: إِنَّ أَبرَّ البرِّ أَنْ يَصِلَ الرَّجُلُ وُدَّ أَبِيهِ" أخرجه مسلم- رقم: (2552)..
فهذا من برهما بعد وفاتهما.
والخصلة الخامسة: صلة الرحم التي لا توصل إلا بهما وذلك بالإحسان إلى أعمامك وأقارب أبيك، وإلى أخوالك وخالاتك من أقارب أمك هذا من الإحسان بالوالدين، وبر الوالدين أن تحسن إلى أقارب والديك الأعمام والعمات وأولادهم، والأخوال والخالات وأولادهم. الإحسان إليهم وصلتهم كل ذلك من صلة الأبوين ومن إكرام الوالدين, هذا والله يوفقني وإياكم إلى بر آبائنا أحياءً وأمواتا, وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
كتبها/ يحي الشيخي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق