المبحث الأول: تنقسم النجاسة إلى
قسمين: حكمية، وعينية.
أ-
فالنجاسة الحكمية: هي التي تقع على الشيء الطاهر فيتنجس بها، كالبول يصيب الثوب.
ب-
أما النجاسة العينية: فهي التي لا يمكن تطهيرها أبدًا؛ لأن عينها نجسة، كالكلب عند
من يقول بنجاسة عينه[1].
المبحث الثاني: خلاف العلماء في طهارة بعض الحيوانات
ونجاستها ومنها:
أولاً: الكلب.
١
- فذهب الشافعية[2]
والحنابلة[3]
إلى القول بأن الكلب نجس العين، واحتجوا لذلك بقوله - صلى الله عليه وسلم -:
"طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات، أولاهن بالتراب"[4].
٢
- وذهب الحنفية إلى أن الكلب ليس بنجس
العين، وإنما سؤره ورطوبته نجسة؛ لأن الحديث إنما ورد في ولوغ الكلب لا في عينه،
فتحمل النجاسة على سؤره ولعابه[5].
٣ - وذهب المالكية في المشهور عندهم إلى أن
الكلب طاهر العين، وكذا عرقه ومخاطه ولعابه؛ لأن الأصل في الأشياء الطهارة, قال في
التمهيد: "فَجُمْلَةُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مَالِكٌ وَاسْتَقَرَّ عَلَيْهِ
مَذْهَبُهُ عِنْدَ أَصْحَابِهِ أَنَّ سُؤْرَ الْكَلْبِ طَاهِرٌ وَيُغْسَلُ
الْإِنَاءُ مِنْ وُلُوغِهِ سَبْعًا تَعَبُّدًا اسْتِحْبَابًا أَيْضًا لَا
إِيجَابًا وَكَذَلِكَ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ وَجَدَ مَاءً لَمْ يَلَغْ فِيهِ
الْكَلْبُ مَعَ مَاءٍ قَدْ وَلَغَ فِيهِ كَلْبٌ أَنْ يَتْرُكَ الَّذِي ولغ فيه
الْكَلْبُ وَغَيْرُهُ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْهُ"[6]
4- يرى الحنفية أن الكلب نجس، لكن نجاسة لعابه
أشد من نجاسة بقية بدنه، بينما يرى المالكية أن الكلب طاهر، سواء في بدنه أو
لعابه.
قتال الشيخ ابن عثيمين:" الكلب نجس
العين"[7]
المبحث الثالث: خلاف العلماء في حكم بول وروث مايؤكل لحمه.
اختلف الفقهاء في نجاسة بول وروث مأكول اللحم
القول الأول: فذهب المالكية والحنابلة[8] إلى طهارتهما في حياة الحيوان أو بعد ذكاته،
واستدلوا على ذلك بحديث أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن الرسول - صلى الله عليه
وسلم - "أمر العُرَنِيِّينَ أن يشربوا من أبوال الإبل وألبانها"[9]،
قالوا: فلو كان بولها نجسًا لما أمرهم بالشرب منها، وكذا لما سئل عن الصلاة في
مرابض الغنم أجابهم بنعم، "صلوا في مرابض الغنم"[10] ،
وهذه المرابض محل بول الغنم وروثها.
القول الثاني : وذهب الشافعية إلى أن بول حيوان مأكول اللحم
وروثه نجس[11].
القول
الثالث: ذهب الحنفية[12]
أن بول ما يؤكل لحمه من الحيوان، وروثه، ولعابه، كنجو الكلب ورجيع السباع وبول
الفأرة كلها نجسة مطلقاً إذا حلت بالماء. ويعفى عن قليله في الثوب والطعام للضرورة,
ورَوْث وبعر ما يؤكل لحمه من الحيوان هو نجس نجاسة مغلظة عند الإمام، لما روي عن
عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: (أتى النبي صلى الله عليه وسلم الغائط
فأمرني أن آتيه بثلاثة أحجار ... فأخذت روثة فأتيته بها، فأخذ الحجرين وألقى
الروثة وقال: هذا رِكْس)[13] .
وهو نجاسة مخففة عند الصاحبين لقول الإمام مالك بطهارته، ولعموم البلوى لكثرته في
الشوارع وعدم إمكان الناس التحرزّ منه.
والراجح من هذه الأقوال:
هو الأول، قال شيخ الإسلام -رحمه الله-:
"لم يذهب أحد من الصحابة إلى القول بنجاسته، (يعني بول وروث مأكول اللحم)، بل
القول بنجاسته قول مُحْدَثٌ لا سلف له من الصحابة"[14].
ثم إن القول بطهارتها تمسكًا بالأصل واستصحابًا
للبراءة الأصلية، والنجاسة حكم شرعي ناقل عن الحكم الذي يقتضيه الأصل والبراءة،
فلا يقبل قول مدعيه إلا بدليل يصح للنقل عنهما وليس هناك دليل.
المبحث
الرابع: أقوال
العلماء في طهارة أو نجاسة بقية الحيوانات غير مأكولة اللحم.
ما تبقى من الحيوانات مما لا يدخل في الأقسام
السابقة ، سواء كان من السباع ، كالأسد والنمر والفهد ، والذئب ... أو جوارح الطير
، كالصقر والنسر ، والعقاب ، ونحوها .. أو غير مأكول اللحم من غير السباع كالفيل
والقرد... فهذه محل خلاف بين العلماء .
القول
الأول: طهارة جميع الحيوانات في حال الحياة ، ولا يستثنى من ذلك شيء, وهذا مذهب المالكية[15] .
القول الثاني: طهارة جميع الحيوانات إلا الخنزير وهذا مذهب
الحنفية[16] .
القول الثالث: طهارة جميع الحيوانات إلا الكلب والخنزير, وهذا
مذهب الشافعية[17]
ورواية عن أحمد[18]
.
القول الرابع: نجاسة الكلب والخنزير وسباع البهائم والطير ،
وطهارة ما سواها, وهذا ومذهب الحنابلة[19] .
وقد ورد في الدلالة على نجاستها وطهارتها عدة
أحاديث ، ولكنها إما ضعيفة ، أو لا يصح الاستدلال بها .
وقد اختار
القول بالطهارة : علماء اللجنة الدائمة للإفتاء فقالوا : " الراجح طهارة ..
سباع البهائم كالذئب والنمر والأسد ، وجوارح الطير كالصقر والحدأة ... وهو الموافق
للأدلة الشرعية " انتهى[20].
وكذلك رجحه
الشيخ ابن عثيمين ، فقال : " الصحيح أنها طاهرة ؛ لأننا لو قلنا بأنها نجسة
لأدى ذلك إلى مشقة على الناس ، فإنه يوجد من الغدران في البر ماهو دون القلتين ،
ولا شك أن السباع والطيور ترد هذا الماء ، فإذا قلنا بأنه نجس صار بهذا مشقة على
الناس ، والنبي عليه الصلاة والسلام فيما يظهر لنا أنه يمر بهذه المياه ويتوضأ
منها " انتهى. [21]
كتبها يحيى
الشيخي.
********
[1] كتاب الفقه
الميسر - باب في النجاسات/عبد الله الطيار/ص35.
[2] الأم للشافعي/2/253.
[3] كتاب الإنصاف في
معرفة الراجح من الخلاف/المرداوي/1/310.
[4] أخرجه مسلم
(279).
[5] [5] انظر: كتاب البناية شرح الهداية/بدر الدين العيني/ج1/ص473.
[6] انظر: التمهيد لابن عبد
البر/18/269, وكتاب المقدمات الممهدات/1/89.
[7] شرح رياض الصالحين/3/140.
[8] كتاب المغني لابن
قدامة/2/492.
[9] أخرجه البخاري
(6802)، ومسلم (1671).
[10] حديث صحيح/ صحيح
الجامع/1439.
[11] كتاب الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام
الشافعي: 2/249.
[12]
فقه العبادات على المذهب الحنفي/نجاح الحلبي/68.
[13] البخاري: ج ١ /
كتاب الوضوء باب ٢٠/١٥٥.
[14] مجموع
الفتاوى:21/613.
[15] انظر : بداية
المجتهد ونهاية المقتصد/ ابن رشد الحفيد: 1/34, وانظر الكافي لابن عبد البر/1/161.
وكتاب شرح بلوغ المرام لعطية سالم/ج4/ص5.
[16] كتاب حاشية ابن
عابدين /1/208, وانظر كتاب البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق/زين الدينن
بن نجيم/1/137.
[17] كتاب روضة
الطالبين وعمدة المفتين/للنووي/1/13, وانظر كتاب الذخيرة
[18] كتاب الإنصاف في
معرفة الراجح من الخلاف/1/342.
[19] كتاب
الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف/للمرداوي/1/342.
[20] "
فتاوى اللجنة الدائمة " (5/416) برئاسة الشيخ ابن باز .
[21] كتاب تعليقات ابن عثيمين على الكافي لابن
قدامة:1/41.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق