فيها قولان:
القول الأول: قال الحنفية[1],
والمالكية[2]:
إنه سنة مؤكدة لا فرض، فيبدأ بما بدأ الله بذكره وبالميامن؛ لأن النص القرآني
الوارد في تعداد فرائض الوضوء عطف المفروضات بالواو، التي لا تفيد إلا مطلق الجمع،
وهو لا يقتضي الترتيب، ولو كان الترتيب مطلوباً لعطفه بالفاء أو (ثم)، والفاء التي
في قوله تعالى: {فاغسلوا}[3]،
لتعقيب جملة الأعضاء. وروي عن علي وابن عباس وابن مسعود ما يدل على عدم وجوب
الترتيب، قال علي رضي الله عنه: «ما أبالي بأي أعضائي بدأت» وقال ابن عباس رضي
الله عنهما: «لابأس بالبداية بالرجلين قبل اليدين» وقال ابن مسعود رضي الله عنه:
«لابأس أن تبدأ برجليك قبل يديك في الوضوء»[4].
القول الثاني: قال الشافعية[5],
والحنابلة[6],:
الترتيب فرض في الوضوء لا في الغسل. وقول للمالكية[7]
لفعل النبي صلّى الله عليه وسلم المبين للوضوء المأمور به[8]،
ولقوله صلّى الله عليه وسلم في حجته: «ابدؤوا بما بدأ الله به»[9]،
والعبرة بعموم اللفظ، " وَآيَةُ الْوُضُوءِ وَهِيَ
قَوْله تَعَالَى {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ
وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} دَاخِلَةٌ تَحْتَ الْأَمْرِ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ابْدَؤوا بِمَا
بَدَأَ اللَّهُ بِهِ»[10]
فَيَجِبُ الْبُدَاءَةُ بِغَسْلِ الْوَجْهِ، ثُمَّ مَا بَعْدَهُ عَلَى
التَّرْتِيبِ، وَإِنْ كَانَتْ الْآيَةُ لَمْ تُفِدْ تَقْدِيمَ الْيُمْنَى عَلَى
الْيُسْرَى مِنْ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ، وَتَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِيهِ
قَرِيبًا"[11] قال النووي:
"قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا
أَنَّهُ وَاجِبٌ"[12].
قال الشيخ ابن
عثيمين رحمه الله: "الصحيح: أن الترتيب والمولاة فرضان من فروض الوضوء.
وأما عذر الإنسان فيهما بالنسيان أو بالجهل فمحل
نظر، فالمشهور عند فقهاء الحنابلة - رحمهم الله - أن الإنسان لا يُعذر فيهما
بالجهل ولا بالنسيان، وأن الإنسان لو بدأ بغسل يديه قبل غسل وجهه ناسياً، لم يصح
غسل يديه ولزمه إعادة الوضوء مع طول الزمن، أو إعادة غسل اليدين وما بعدهما إن قصر
الزمن، ولا شك أن هذا القول أحوط وأبرأ للذمة، وأن الإنسان إذا فاته الترتيب ولو
نسياناً، فإنه يعيد الوضوء، وكذلك إذا فاتته الموالاة ولو نسياناً، فإنه يعيد
الوضوء"[13].
وسئل ابن عثيمين رحمه الله عن حكم تقديم غسل اليد
اليسرى قبل اليمين فأجاب:
"البداءة بالشمال قبل اليمين في الوضوء في غسل
اليدين والرجلين خلاف السنة فإن السنة أن يبدأ الإنسان باليمين لقول عائشة رضي
الله عنها (كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه التيامن في تنعله وترجله وطهوره
وفي شأنه كله) ولقوله عليه الصلاة والسلام (ألا فيمنوا ألا فيمنوا ألا فيمنوا) .
فالبداءة باليمين أفضل ولكن لو بدأ بالشمال فإنه يكون مخالفاً للسنة ووضوؤه صحيح
لأنه لم يدع شيئاً واجباً في الوضوء وترك السنن في العبادات لا يوجب فسادها وإنما
يوجب نقصها وكلما كانت العبادة أكمل كان أجرها أعظم والحاصل أن هذا الرجل الذي بدأ
بشماله قبل يمينه في وضوئه. وضوؤه صحيح وصلاته التي صلاها بهذا الوضوء صحيحة, حتى
لو كان متعمداً لم يكن ناسياً, لأنه كما قلت سنة وليس بواجب"[14].
حكم
الموالاة في الوضوء عند العلماء
فيها قولان:
القول الأول:
الموالاةُ فرض من فُروضِ الوُضوءِ، وهو مذهَبُ المالكيَّةِ في المشهورِ[15]
، والحنابلة[16]
، واختاره الشوكانيُّ[17]
، وابنُ باز ، وابنُ عثيمين.
واختاره
الشوكاني[18]
قال ابن باز: (فروضُ الوُضوءِ، وهي ستَّةٌ:
غَسلُ الوجه- ومنه المضمضة والاستنشاق، وغَسْلُ اليدين مع المِرفقين، ومَسْحُ
جميعِ الرَّأسِ- ومنه الأذنانِ، وغَسلُ الرِّجلينِ مع الكعبينِ، والترتيبُ،
والموالاةُ)[19].
قال ابنُ عُثيمين: (الصَّحيحُ: أنَّ التَّرتيبَ
والمولاةَ فرضانِ مِن فروضِ الوُضوءِ)[20].
القول الثاني: الشافعية والحنفية على أن
الموالاة في الوضوء سنة وليست فرضًا[21].
كتبها: يحيى الشيخي.
********
[1] كتاب فقه
العبادات على المذهب الحنفي:ص38, كتاب اختلاف الأئمة العلماء لابن هبيرة:1/41.
[2] المصدر السابق
الثاني.
[3] [المائدة:٦/ ٥].
[4] روى الدارقطني
الأثرين الأولين، وأما الأثر الثالث فلا يعرف له أصل.
[5] المجموع
للنووي:1/445.
[6] كشاف
القناع:1/104.
[7] مواهب الجليل
للحطاب:1/250.
[8] رواه مسلم وغيره
عن أبي هريرة (نيل الأوطار: ١/ ١٥٢).
[9] رواه النسائي
بإسناد صحيح.
[10]حديث
صحيح/ المصدر/المحدث ابن الملق, وأخرجه النسائي
في ((السنن الكبرى)) (3968) مطولاً واللفظ له، وأخرجه مسلم (1218) بلفظ:
"أبدأ بما بدأ الله به"
[11] سبل السلام شرح
بلوغ المرام/ الصنعاني 1/73.
[12] انظر: كتاب
المجموع شرح المهذب:1/ 444.
[13] مجموع فتاوى ورسائل ابن
عثيمين: ج11/ 142.
[14]كتاب فتاوى نور على الدرب ابن عثيمين: ج7/ص2.
[15] كتاب التاج
والإكليل لمختصر خليل/ محمد المواق:1/322.
[16] المغني لابن قدامة:1/192,
الفروع لابن مفلح:1/187.
[17] ((السيل الجرار
المتدفق على حدائق الأزهار)) (ص: 59).
[18] ((السيل الجرار
المتدفق على حدائق الأزهار)) (ص: 59).
[19] مجموع
فتاوى ابن باز (3/294).
[20] مجموع
فتاوى ورسائل العثيمين (11/142).
[21] بداية المجتهد ونهاية
المقتصد: 1/24.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق