أقوال العلماء في مايعفى عنه من النجاسات.
في هذا المسألة قولان:
القول الأول: جمهور العلماء قالوا: لا يعفى عن شيء من
النجاسات إلا يسير الدم والقيح ، لأن الأدلة لم تفرق بين كثير النجاسة وقليلها.
قال ابن قدامة : " وَلَا فَرْقَ بَيْنَ
يَسِيرِ النَّجَاسَةِ وَكَثِيرِهَا ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْيَسِيرُ مِمَّا
يُدْرِكُهُ الطَّرَفُ أَوْ لَا يُدْرِكُهُ مِنْ جَمِيعِ النَّجَاسَاتِ إلَّا أَنَّ
مَا يُعْفَى عَنْ يَسِيرِهِ فِي الثَّوْبِ، كَالدَّمِ وَنَحْوِهِ... وَقِيلَ عَنْ
الشَّافِعِيِّ : إنَّ مَا لَا يُدْرِكُهُ الطَّرَفُ مِنْ النَّجَاسَةِ مَعْفُوٌّ
عَنْهُ؛ لِلْمَشَقَّةِ اللَّاحِقَةِ بِهِ".[1]
القول الثاني: قول الحنفية وقد ذهبوا إلى العفو عن يسير جميع
النجاسات كالدم والبول وغيرهما[2], وقال
في بداية المجتهد:"وَحَدُّوهُ بِقَدْرِ الدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ، وَمِمَّنْ
قَالَ بِهَذَا الْقَوْلِ أَبُو حَنِيفَةَ، وَشَذَّ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ
فَقَالَ: إِنْ كَانَتِ النَّجَاسَةُ رُبُعَ الثَّوْبِ فَمَا دُونَهُ جَازَتْ بِهِ
الصَّلَاةُ"[3].
وقال الكاساني الحنفي: (وَلَنَا) مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ سُئِلَ
عَنْ الْقَلِيلِ مِنْ النَّجَاسَةِ فِي الثَّوْبِ فَقَالَ: إذَا كَانَ مِثْلَ
ظُفْرِي هَذَا لَا يَمْنَعُ جَوَازَ الصَّلَاةِ؛ وَلِأَنَّ الْقَلِيلَ مِنْ
النَّجَاسَةِ مِمَّا لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ، فَإِنَّ الذُّبَابَ
يَقَعْنَ عَلَى النَّجَاسَةِ ، ثُمَّ يَقَعْنَ عَلَى ثِيَابِ الْمُصَلِّي ، وَلَا
بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ عَلَى أَجْنِحَتِهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ نَجَاسَةٌ قَلِيلَةٌ
، فَلَوْ لَمْ يُجْعَلْ عَفْوًا لَوَقَعَ النَّاسُ فِي الْحَرَجِ " انتهى[4].
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : " وَيُعْفَى عَنْ يَسِيرِ النَّجَاسَةِ ،
حَتَّى بَعْر فَأْرَةٍ ، وَنَحْوِهَا فِي الْأَطْعِمَةِ ، وَغَيْرِهَا ، وَهُوَ
قَوْلٌ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ ، وَلَوْ تَحَقَّقَتْ نَجَاسَةُ طِينِ الشَّارِعِ
عُفِيَ عَنْ يَسِيرِهِ لِمَشَقَّةِ التَّحَرُّزِ عَنْهُ ، .. وَمَا تَطَايَرَ مِنْ
غُبَارِ السِّرْجِينِ (هو الروث النجس) وَنَحْوِهِ ، وَلَمْ يُمْكِنْ التَّحَرُّزُ
عَنْهُ : عُفِيَ عَنْهُ "انتهى[5].
فتوى اللجنة الدائمة للإفتاء
قالوا :
" النجاسة من غير الدم والقيح والصديد لا يعفى عن كثيرها ولا قليلها, أما
الدم والقيح والصديد فيعفى عن اليسير منها إذا كان خروجاً من غير الفرج ؛ لأن في
الاحتراز من قليلها مشقةً وحرجاً ، وقد قال تعالى: ( وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي
الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ )[6] ،
وقال: ( يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْر[7])
"[8]
انتهى.
أما الشيخ ابن عثيمين فمال إلى القول الثاني حيث
قال:
" والصَّحيح : ما ذهب إِليه أبو حنيفة ،
وشيخ الإِسلام ... ومن يسير النَّجاسات التي يُعْفَى عنها لمشَقَّةِ التَّحرُّز
منه : يسير سَلَسِ البول لمن ابتُلي به ، وتَحفَّظ تحفُّظاً كثيراً قدر استطاعته
" انتهى " [9].
كتبها: يحيى بن إبراهيم الشيخي
********
[1] المغني لابن
قدامة: ج1/ص24, وانظر: بداية المجتهد ونهاية المقتصد لابن رشد: ج1/ص88.
[2] انظر: "الاختيار" (1/31).
[3] بداية المجتهد ونهاية المقتصد
لابن رشد: ج1/ص88.
[4] بدائع الصنائع:ج1/ص79.
[5] الفتاوى الكبر:ج5/ص313.
[6] الحج: 78.
[7] البقرة:185.
[8] [8] "فتاوى
اللجنة الدائمة" (5/396) برئاسة الشيخ ابن باز.
[9] "الشرح
الممتع" ج1/ص774.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق