باب الفدية
الفدية في الحج : ما يجب بسبب فِعل محظورٍ, أو ترك واجبٍ أو إحصارٍ أو بسبب النسك
(كالتمتع والقِرَان).
الفدية
تنقسم إلى قسمين :
فدية على التخيير، وفدية على الترتيب.
القسم الأول : فدية التخيير
: فهي نوعان :
النوع
الأول: يُخَيَّر فيه المُحْرِم بين ثلاثة
أمور:
ذبح
شاة أو صيام ثلاثة أيام أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين مُدُّ من القمح، أو مُدِّين
من غير القمح كالتمر والشعير والزبيب . والمُدُّ : ملئ كفتي الرجل الوسط .
وهذا
النوع من فدية التخيير يجب في نوعين من المحظورات :
الأول : محظورات
يستوي فيها العمد وغير العمد (
الخطأ والنسيان والإكراه ) وهي ما يلي :
أ -
إزالة ثلاث شعرات فأكثر من رأسه أو من بدنه : فتجب فيها الفدية ؛ لقول الله
عز جل(... وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى
يَبْلُغَ الهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ
رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ..)[1]. ولحديث كعب بن عجرة رضي الله عنه قال : "مَرَّ
بيَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأَنَا أُوقِدُ تَحْتَ القِدْرِ، فَقَالَ:
أيُؤْذِيكَ هَوَامُّ رَأْسِكَ؟ قُلتُ: نَعَمْ، فَدَعَا الحَلَّاقَ فَحَلَقَهُ،
ثُمَّ أمَرَنِي بالفِدَاءِ."[2]
ب- إزالة ثلاثة أظفار فأكثر من أظافر يديه أو قدميه:أما أقل من ذلك ففي كل شعرة أوظفر صدقة كما
أشرنا سابقاً.
ج- المباشرة
– من تقبيل وضمِّ ونحو ذلك – بغير إنزال ففيها الفدية. قال ابنُ عثيمين: (فإن باشَرَ ولم يُنْزِلْ بل
أمذى، أو كان له شهوةٌ، ولكن لم يُمْذِ، ولم يُنْزِلْ؛ فليس عليه بَدَنةٌ، بل عليه
فِدْية أذًى... فالصحيح أنَّ المباشَرة لا تجب فيها البَدَنةُ، بل فيها ما في
بقيَّة المحظوراتِ) .[3]
د- خروج المني بسبب نظره إلى النساء, أنه فعل محرم حال الإحرام فوجبت فيه الفدية.
الثاني
: محظورات يجب فيها هذا النوع من الفدية في حال العمد
فقط, أما الناسي
والجاهل فليس عليه شيء لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إنَّ اللهَ تعالى وضع
عن أُمَّتي الخطأَ ، و النسيانَ ، و ما اسْتُكرِهوا عليه"[4] وهي :
أ-
المخيط أثناء الإحرام.
ب-
التطيب.
ت-
تغطية الرأس.
تنبيه!
العلة في اعتبار الخطأ والنسيان والاكراه في
لبس المخيط وتغطية الرأس والتطيب، ولم يُعتبر ذلك في الحلق وتقليم الأظفار ؛لأن
الحلق والتقليم حصل فيهما إتلاف، فاستوى فيهما العمد والخطأ ً.
النوع الثاني من فدية التخيير: وهو خاص بقتل الصيد سواءً قتله وهو مُحْرِم
أو قتله في الحرم وسواءً كان عمداً أو خطأً أو نسياناً . فيخير بين ثلاثة أمور :
الأمر الأول : أن ينظر إلى هذا الصيد الذي صاده، ويأتي بما يماثله من بهيمة
الأنعام -الإبل والبقر والغنم - ويحكم بالمماثلة ذوا عدل من المؤمنين، فيحكمان بأن
هذه البهيمة من النعم تماثل هذا الصيد، ثم يذبحه ويوزعه على فقراء الحرم .
الأمر الثاني : أن يُقَوِّم هذا المثل من بهيمة الأنعام ويشتري بقيمته طعاماً –
من جنس ما يُخْرَج في زكاة الفطر - ثم يوزع على المساكين لكل مسكين مدُّ من القمح
أو الأرز أو مُدَّين من غيرهما .
الأمر الثالث : أن يصوم عن كل مسكينٍ يوماً, بمعني أن ينظر كم عدد المساكين الذين
كان سيطعمهم لو اختار الإطعام – وكمية الطعام تختلف حسب قيمة الصيد الذي قتله – ثم
يصوم عن كل مسكينٍ يوماً .
والدليل على هذا النوع من الفدية هو قول الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا
الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ
مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ
الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا
لِيَذُوقَ وَبَالَ ).[5]
وأما
وجوب الفدية في الصيد مع الخطأ والنسيان والجهل ؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم "جعل
في الضبع إذا صاده المحرم كبشاً" .[6]ولم
يُفِّرق بين العمد وغيره،ولأن فيه إتلاف فيستوي فيه العمد والخطأ كما سبق,قال ابن
قدامة قال الزهري: ( على المتعمد بالكتاب وعلى المخطئ بالسنة).[7]
يعني : وجوب الفدية في قتل الصيد ثابتة على المتعمد بنص الآية وعلى المخطئ بالسنة
.
القسم الثاني من الفدية :
الفدية
على الترتيب : بمعنى أنه
يجب عليه دَمٌ ( ذبح شاة أو سُبْع ناقة أو سُبْع بقرة، حيث تجزئ الناقة عن سبعة
والبقرة كذلك عن سبعة) , فإن عجز فعليه صيام ثلاثة أيام في الحج، وسبعة أيام إذا
رجع إلى أهله . وهذا يكون عند ارتكاب محظور من المحظورات التالية:
أ-
إذا حج متمتعاً أو قارناً , أو ترك واجباً من واجبات الحج ؛ لقول
الله عز وجل ( فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ
الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ
إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ).[8]
ب-
"يجوز
صيام ثلاثة أيام التشريق - لمن لم يصم أيام التسع- وهو قول مالك وكثير من العلماء
لعموم قوله تعالى (فصيام ثلاثة أيام في الحج) وهو قول عائشة وعبد الله بن عمر ذكر
ذلك عنهما مالك في الموطأ, والبيهقي في سننه, وعند الشافعي لا يجيز صيامها أيام
التشريق." [9]
وقد أفتى الشيخ ابن باز بجواز صيام الثلاثة أيام التشريق لمن لم يصمها قبل.[10]
وقوي هذا القول حديث عائشة وابن عمر" ( لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم
يجد الهدي".[11]
ج-
المحصر: وهو
الذي مُنع من تمام النسك فيجب عليه دم ؛ لقول الله تعالى : ﴿وَأَتِمُّوا الحَجَّ وَالَعُمْرَةَ لِلَّـهِ فَإِنْ
أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الهَدْيِ﴾.[12] فإن
لم يجد صام عشرة أيام بنية التحلل من إحرامه ؛ قياساً على المتمتع وفي الحديث
"كانَ ابنُ عمرَ ينكرُ الاشتِراطَ في الحجِّ، ويقولُ: أَليسَ حَسْبُكُمْ
سُنَّةَ رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؟ إنْ حُبِسَ أحَدُكُمْ عَنِ
الحَجِّ، طَافَ بالبَيْتِ، وبِالصَّفَا والمَرْوَةِ، ثُمَّ حَلَّ مِن كُلِّ شَيءٍ
حتَّى يَحُجَّ عَامًا قَابِلًا، فيُهْدِي، أوْ يَصُومُ إنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا.".[13]
د- الجماع
قبل التحلل الأول : فمن
جامع قبل التحلل الأول فسد حجه وعليه بَدَنة لما ثبت عن عبد الله بن عباس "أَنَّهُ
سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ وَقَعَ بِأَهْلِهِ وَهُوَ بِمِنًى قَبْلَ أَنْ يُفِيضَ
فَأَمَرَهُ أَنْ يَنْحَرَ بَدَنَةً"[14]
ه- الجماع
بعد التحلل الأول: فعليه
شاة؛ لأن الإحرام قد خفَّ بالتحلل الأول.
و- إذا
جامع في العمرة قبل أن يتحلل منها فعليه شاة ؛ لأن العمرة دون الحج فكان حكمها
دون حكمه , قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " والعمرة التي وقع فيها الجماع
عمرة فاسدة ، ويجب عليك شاة تذبح في مكة وتوزع على الفقراء ، أو إطعام ستة مساكين
لكل مسكين نصف صاع ، أو صيام ثلاثة أيام ، ويجب -أيضاً- أن تقضي عمرة بدل العمرة
التي فسدت " انتهى.[15]
كتبها: يحيى الشيخي
[1] البقرة : 196.
[2] صحيح البخاري 5665/ ومسلم1201
[3] الشرح الممتع
(7/162).
[4] صحيح الجامع 1836, صححه الالباني.
[5] المائدة 95.
[6] رواه أبو داود برقم: (3801)، وابن ماجه برقم: (3085)، واللفظ له،
من حديث جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما-.
صحيح الجامع برقم: (4251)، إرواء الغليل برقم: (1050).
[7] المغني ج5/397
[8] البقرة 196 .
[9] السلسبيل في معرفة الدليل 344
[10] من ضمن أسئلة الحج بمنى عام 1407هـ، (مجموع فتاوى ومقالات الشيخ
ابن باز 15/ 379).
[11] صحيح البخاري 1998.
[12] البقرة :196.
[13] صحيح البخاري 1810/ ومسلم 1230
[14] الموطأ (١/ ٣٨٤) ٢٠ - كتاب الحج، ٥٠ - باب من أصاب أهله
قبل أن يفيض، وهو حسن لغيره.
[15] اللقاء الشهفتح الباري، (4/ 21).ري" (54/9) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق